دعوة لإنشاء الهيئة القومية للرأي العام

يوم أن خرج المصري ثائراً على الظلم والقهر والغباء والاستغلال وقلة حيلته وهوانه على نفسه وعلى الناس ، خرج يدافع عن رأيه أولا الذي حرم من الإفصاح عنه لعقود وربما لقرون ، ومن هنا كان لزاما عليه أن يحافظ على تلك الحرية التي انتزعها بالدم ، ووجب علينا جميعا أن نساهم كل في موقعه في ضمان أن يصل رأي وصوت كل مواطن ، وليس وصول الصوت فحسب بل وضمان حصوله على الرد سواء بالسلب أو بالإيجاب أو بوعد محدد المهلة بتنفيذه .

كثيرون سيعتبرون ما أسوقه الآن ضرباً من ضروب الخيال أو الوهم ، وكثيرون أيضا سيوافقونني الرأي ، ولهؤلاء الذين يرونه خيالاً أقول لهم ، وبرغم تأخر ثورة 25 يناير أعواما طويلة ، إلا أنها كانت ضربا من ضروب الوهم والخيال ، ليس لنظام الحكم المصري السابق فحسب – الذي تداعى وترنح في ساعات – وإنما حتى لكل أجهزة المخابرات في العالم التي لم تقع تحت أيديها أي إشارات أو معلومات قد تنبه بها مبارك ، وهذا ليس عبقرية من المصريين فحسب ، ولكنها دلالة على أن هذا الشعب وصل للنقطة الحرجة من الغليان التي لم يعد للنظام معها القدرة على السيطرة عليها.
ولذلك أقول بأن ضروب الخيال والمستحيلات يجب أن تكون من الآن وصاعدا أول وأهم خياراتنا ، ويجب أن نعتمد أسلوب تقدير أسوأ السيناريوهات قبل اتخاذ القرار وهذا شأن آخر ليس مجاله هنا ، ويجب أن ننهي مرحلة أن الدول المتقدمة تفعل ذلك ، فقد أثبتنا بأننا نستطيع أن نفعل مالم تفعله شعوب العالم ، ومن ردود الأفعال نعلم أن العالم كان يأسف على حالنا لعقود ، ولما انتفضنا أحسوا بأن الروح عادت ليس لنا فحسب ولكن لهم جميعا ، لهذا يجب أن نقدم لهم أفضل مافي جعبتنا نضعه على أرض الواقع في مصرنا الجديدة القوية ثم نصدره للعالم الحر .

بدأ كل من هب ودب يتحدث في كل المواضيع ، وأسوأ ما آلمني أن الكثيرين افترضوا أنهم أصبحوا أعضاء في لجنة صياغة الدستور ، متناسين بجهل أو بعلم أن علماء الدستور في مصر كان لهم اليد الطولى في إعداد دساتير أغلب الدول العربية ، وهم الذين علموهم كيفية صياغة القوانين بموادها وأحكامها ، ومن هنا يأتي ندائي لكل إخوتي في مرحلة إعداد الدستور أو تعديله – كما هي حالتنا مؤقتا- لايجوز لنا أن نحارب بعضنا في سبيل ماليس بيدنا الآن ، نحن ارتضينا من اليوم الأول قيادة الجيش ، بل أقول لقد إعفينا الجيش أن يقوم بانقلاب عسكري ، ونحن من قمنا بالانقلاب نيابة عنه وسلمناه السلطة بخواطرنا وفوضناه في كل أمورنا ، أما وهذا حالنا فإننا يجب أن نرتضي لجنته الدستورية ، وفي النهاية عندما نستفتى فإن مجموع رأينا هو الحكم الفصل في القبول والرفض وهذا هو دورنا الأوحد .

من هنا يجيء اقتراحي هذا بإنشاء الهيئة القومية للرأي العام ، هيئة شعبية مستقلة تقدم لها الحكومة الدعم المادي فقط بالنيابة عن الشعب ، دون تدخل في أعمالها أو رقابة على العاملين بها .

كنت في البداية سأقترح أن ينشأ لها مقرات مستقلة ، إلا أنني وجدت فرصة لاستغلال مقرات موجودة بالفعل وقائمة ، وهي أقسام الشرطة القائمة حاليا ، وأسباب اختياري لمراكزالشرطة متعددة :
– ردم الهوة التي حصلت بين الشعب ومقرات الشرطة والتي جعلت غالبية الشعب يقولون “نحن أولاد ناس مش بتوع أقسام بوليس” فصار قسم الشرطة في عقل كثير من الناس بيتا للشيطان ، ومن يعملون فيه أعوانا للشيطان الأعظم ، ومن هنا كانت الكارثة التي حلت بنا يوم 28 يناير يوم أحرقت الأقسام ومديريات الأمن في ساعات أقل من أصابع اليد الواحدة
– حتى يشعر الضابط وفرد الأمن بأن المقر ليس ملكاً له ، وإنما هو بيت لكل فرد من أفراد الشعب ، وأنه ماهو إلا خادم له مادام يقوم بمهمته ، ويجب هنا أن أنوه أننا يجب أن نرسخ في ذهن كل موظف عمومي إبتداء من رئيس الجمهورية حتى أصغر موظف أنه خادم لهذا الشعب ، مادام على رأس عمله ، وهذا ليس انتقاصا من قدره لكنه تكريم له وليس كلاما نظريا ، ولكنه الواقع لأنك يوم أن تكون خادما لعشرة آلاف أو مائة ألف من المترددين عليك ، فإن لديك لوحدك مليون خادم منتظرين أن يلبوا طلبك في أي نقطة من نقاط الوطن قد تصل إليها .
– أيضا أن يشعر الضابط و فرد الأمن بأن مايقوم به لم يعد سراً لايجوزالاطلاع عليه ، بل هو مراقب من كل فئات المجتمع ، والحديث عن سرية الإجراءات الأمنية يجب أن ينتهي بغير رجعة ، الأكيد أن الأمن الوطني لايناقش في داخل أقسام البوليس ، وإنما لديه أجهزة متخصصة تعمل عليه كالمخابرات العامة ، والمخابرات العسكرية ، وبالتالي مايحدث في أقسام الشرطة يجب أن يكون معروفا للجميع ، وماترى الجهات الأمنية أنه سر لايطلع عليه العامة فيجب أن يكون بإشراف القضاء ، ويجب من الآن أن يعلم جميع العاملين بالجهات الأمنية إبتداء من وزير الداخلية حتى أخر فرد في السلم الوظيفي الأمني ، أنه يوم لبس هذا الزي أصبح معرضا للمساءلة عن كل صغيرة وكبيرة في خلال عمله ، إذا قبلت الشرطة هذا الشرط من التعاقد فبها ونعمة ، وإن لم تقبل فليعلموا بأن الشعب كما أزاح نظاما رئاسيا بأكمله وسيأتي بغيره ، قادر على إزاحة نظام شرطي بأكمله أيضا وسيأتي بغيره ، الشعب الذي أثبت بإمكانياته الأمنية المتواضعة وفي الظرف الاستثنائي لمدة عشرين يوما أنه قادر على حماية نفسه ، وقادر على تنظيم مروره بكفاءة تفوق ماكانت تقدمه الداخلية ، ويغفر للجان الشعبية بعض التقصير مقارنة بالظرف الاستثنائي ، ومفاجأة الحدث إلا أن ماقاموا به كان مذهلا بكل المقاييس ، وكنا نشهد ساعة بعد ساعة تطورا في الحس الأمني في التفتيش ، وكلمات السر ، وفحص المستندات ، والأماكن المخبأة، وتمييزالإشاعات ، وتمييز مجموعات الاستكشاف من اللصوص ، وكيفية التعامل مع الاختناقات المرورية وغيرها الكثير .

وعندما نتحدث عن الهيئة القومية للرأي العام ، فيجب أن نسوق تصورنا لطريقة عملها ، وارتباطها بمجلس الشعب المنتخب بحرية ونزاهة .

هذه الهيئة يشرف على نزاهة عملها هيئة قضائية مستقلة لاتتدخل في حرية الرأي ، ولكنها تضمن أن القائمين على عملياتها لا يتدخلون سلباً أو إيجاباً في سلامة محتوى الرأي أيا ماكان ويضمنون سلامة وصوله وتوثيقه ، وسلامة إحصائياته ، وضمان الرد عليه ، ومتابعة مايلزمه من أعمال تنفيذية .

يقوم على عمليات التشغيل هيكل إداري ، فني تتولى الحكومة تسليمه رواتبه من ميزانية الدولة نيابة عن الشعب ، إلا أنه لايعمل لدى الحكومة ، أو أي سلطة أخرى ويمنح كامل الحصانة داخل عمله ، حصانة تمنع أي جهة من التدخل بشكل مباشر أوغير مباشر ، إلا السلطة القضائية ، ويكون دور هؤلاء الموظفين ضمان عمل الهيئة بفروعها على مدار الساعة ، وضمان دخول المواطن لمقرها ، وسلامة الأجهزة المستخدمة لتوصيل الرأي ، والتأكد من أن صوت المواطن قد تم استلامه كما يريده هو دون تدخل في الصياغة ، وسلامة التوثيق ومنح صاحب الرأي مايفيد استلام صوته ، كذلك يقومون باستلام الردود إن طلبت وتسليمها لصاحبها، أو نشرها في حال المصلحة العامة ، كذلك توصيل طلبات الاستبيان والاستفتاء والانتخاب والتصويت للمواطنين في نطاقهم الجغرافي .
تقوم مراكز وفروع الهيئة بكافة أعمال
– استبيان الرأي العام
– انتخابات المجالس التشريعية والمجالس المحلية
– أي أعمال انتخابات عامة أخرى كالنقابات والجمعيات والنوادي حسب مايفصل القانون لاحقا
– استقبال طلبات الاستبيان من المواطنين سواء الاستبيان العام الذي قد يطلب فيه طالب الاستبيان رأي محيطه الصغير أو رأي الحكومة أو رأي كامل الشعب وعندها يجب عمل تصنيفات معتمدة يتفق عليها الشعب تصنف مايستدعى إليه الشعب كاملا أو فئة معينة أو غيره من التفصيلات الكثيرة
– ضمان إصدار دليل الإجراءات الخاص بالهيئة ، ووصوله ليد المواطن صاحب الرأي ، وضمان وصول كافة التعديلات عليه والتأكد من تنفيذها حرفيا .
– سلامة الأجهزة المستخدمة والتأكد من جاهزيتها دائما لاستقبال رأي المواطن
– متابعة الأجهزة التنفيذية لاستعجال الردود والتأكد دوما من توصيل السبب الحقيقي لأي تأخير أو رفض
– التأكد دوما من عدم تحول الموظفين العاملين لسلطة نافذة تستغل وضعها لمصالح شخصية
– تقديم مقترحات فنية ومهنية لتطوير الرأي العام وعرضها على الشعب للموافقة عليها وإقرارها
– القيام بأعمال التعداد السكاني والتأكد من عدم وجود من لم يحصل على رقم قومي للتأكد من عدم وجود أي فرد غير قادر على توصيل صوته
– التواصل مع المواطنين الذين لايبدون آراءهم ودراسة أسباب سلبيتهم ، ومحاولة الوصول لأسلوب علمي يشجعهم على التفاعل مع المجتمع ، واضعين في الاعتبار أن آراء الممتنعين غالبا ماتحتوي على آراء متقدمة جدا عمن يبدونها بسهولة
أما دور أعضاء المجالس النيابية والمحلية فسيكون دورا فاعلا في هذه الهيئة ، حيث أن المقر الرسمي لهؤلاء الأعضاء سيكون داخل فرع الهيئة ، ولا يكون مكتبا مغلقا ، وإنما صالة إجتماعات يجلس فيها لناخبيه لمناقشة طلباتهم العامة والشخصية ، بأسلوب متحضر يعلم معه بأنه خادم للشعب ، ويجب أن يتأكد هنا كل عضو نيابي بأنه تخلى عن جزء كبير من حياته الخاصة يوم أن قرر الترشح ، ويكون دور الهيئة هو تقديم الدعم الفني للنائب لأداء مهامه ، والتأكد بأن وجوده لممارسة خدمة الناخبين ، وليس لإدارة فرع الهيئة .
وسائل توصيل الرأي : في غير ماتقتضيه الدواعي القانونية المحددة من التوثيق الورقي للأصوات ، فإن استخدام أجهزة الحاسب ، والبريد والموقع الإلكتروني ، والهاتف ، والتسجيل الصوتي والكتابة المباشرة تصبح هي وسائل توصيل الرأي ، مع كل مايمكن استحداثه بعد ذلك بل يجب التأكد من أن كل شخص غير قادر على الحركة يصل إليه موظفي الرأي بناء على طلبه لأخذ رأيه وتوثيقه

ختاما أحب أن أؤكد بأن الإسم المقترح للهيئة ليس هو الإسم النهائي ، وأنما يجب أن يكون الإسم من اختيار المواطنين حتى لا يشكل حائلا بينهم وبين إبداء الرأي

فكرة واحدة بشأن “دعوة لإنشاء الهيئة القومية للرأي العام

  1. omar

    حبذا لو يتم ذلك اخي الكريم ، فهذه الثورة المباركة يجب ان يجني الشعب ثمارها ولا يفرط في دماء الشهداء التي راحت في سبيل الخلاص من النظام البائد الظالم الذي نكل بالشعب وظلمه عقودا شتى ، تحية اكبار واجلال للشباب المصري البطل ، صاحب هذه الثورة العظيمة التي ستمهد ان شاء الله لحرية ورفاهية شعب مصر العظيم ، بوركت جهودكم ووفقكم الله

    إعجاب

    رد

أضف تعليق