كأننا نحن المصريون أول من امتلك وطنا ، مازلنا نزايد على بعضنا ونزايد على الوطن ، نتلهف كلنا لمصلحته ، ومن حيث لاندري ندق مسامير في نعش افترضنا أننا صنعناه له ، ولم نعلم أن هذا الوطن تصنع له النعوش منذ فجر التاريخ ومازال لم يمت ، لفظ كل من صنع له نعشا وجاء بغيره ، حتى جئنا نحن نحبه ونعشقه – حتى من كان يكرهه وقع في هواه فجأة- ومع ذلك نفعل مايودي به وبنا مهاوي الردى.
نرى أخطاء غيرنا فنفعل مثلها ولا نستفيد منها لنتفاداها .
نعشق نحن المصريون أن نبهر الدنيا ثم نضيع جهدنا بفهلوة المصري المعهودة ، نجيد التنظير ولا نحسن التنظيم، نطلع الطلعات القوية ثم إذا ما استوى الركب تركنا القياد للتباعين ، نعشق فتح الأبواب الصعبة ثم نقف أمامها لاندخل كما قال الأستاذ هيكل لعمرو واكد .
قمنا بثورة شهد لها القاصي والداني ، وصار ميدان التحرير مزارا لكل من يأتي لقاهرة المعز ، ثم مالبثنا أن ضيعنا جزءا تلو جزء من منجزات بداية الثورة ، فالثورة لم تنتهي بعد ، فما هدم في ثلاثين عاما لايصلحه جهد ثمانية عشر يوما ، خصوصا إذا كانت تلك الأعوام حبلى بمرارات سبعة آلاف عام .
مبارك ومن قبله ربما منذ يوليو 52 لم يدمروا القليل ، وإنما دمروا أول مادمروا هوية الإنسان المصري الفكرية ، ولا أتحدث عن دين أو أيدولوجية ، ولكني أتحدث عن أسلوب فهم وتفكير ، وأسلوب حوار ، أتحدث عن شخصية المصري الفلاح والصياد والتاجر والمجاهد ، تلك الشخصية التي لاتستطيع بحكم بيئتها أن تعمل منفردة بعيدة عن الآخر منفصلة عن الكل .
أول مافرقوا كانت العائلة الكبيرة بعد أن محو فكرة القبيلة ، وهنا لا أدعوا لنعرات ، ولكني اتحسر على قيم فقدناها ، فأبناء العمومة لايلتقون إن التقوا إلا في فرح أو مأتم .
ثم كرسوا بعد ذلك فردية الأخذ وهدموا قيم العطاء ، فصارت المصلحة التي هي بالطبع مقدمة في كل الأحوال- ولا غضاضة في ذلك – صارت هي معيار قبول الآخر ، ومايتعارض مع مصلحتي أصبح في فكر المصري بالضرورة نتاج عداء مع صاحب المصلحة حتى ولو كان الوطن .
ماحدا بي أن أقول ماقلت هو مواقف رأيت حديثا عنها بالأمس.
أولها موقف الإعلاميين من قياداتهم الذي تحدث عنهم بمرارة الدكتور يحيى الجمل ، فعندنا يقول أن في كل مؤسسة تجد كل عشرين شخصا يرفضون عشرين آخرين ،والمؤكد أن كل مجموعة ترفض من بينها مجموعة ممن فيها ، والأكيد أنه لو تمت التصفية بين ثلاثة فالأكيد أنه لن يخرج منهم قائد لأن الآخرين يرفضانه “طمعا” في أن تكون لواحد منهم ، وأنتفت كل معايير الاختيار الأمثل ، لأننا تعودنا أن المعايير المهنية هي آخر مايدفع المرء لمصاف القادة ، ناهيك عن غياب ثقافة الفريق ، خصوصا في ظل غياب القائد المتفق عليه .
الموقف الثاني ، هو ماحدث بكلية الإعلام ، وما انتهى إليه الحال من اعتصام طلاب وإضرابهم عن الطعام مطالبين برحيل عميد الكلية ، وتصميمه على البقاء في منصبه حتى لو اضطر الأمر أن يتعدى على سلامة الجسد ليافعين مالبثوا أن غادروا عش الطفولة البريئة ، كيف لهذا الأستاذ أن يعطي هؤلاء علما يجعلهم في يوم من الأيام أمناء على كلمة تعلي شأن أمة ، وتضع من شأن منافق يهدم هذه الأمة ، كيف سيقف أمامهم موجها ومرشدا ، وكيف سيقود فريق عمل لم ينقلب كله عليه ، ولكن انقلب عليه من هم أقل منهم وهم طلابهم ، الأكيد أن هذا الرجل لم يفكر يوما في ماهية القيادة ، ولم تتعد فكرته عن روح الفريق أكثر مما قرأه في مذكرة دورة من دورات التنمية البشرية.
الموقف الثالث لشخص جلس مجلس العلماء ، أطلق فكاهة سخر فيها باسم الدين من موقف فئة من الشعب يمثلها ملايين البشر الذين يصل تعدادهم لتعداد دولتين تقوم إحداهما بثورة بينما نتحدث ، وأسقط الدين على ما لايصح إسقاط الدين عليه ، واخطأ خطأ تاريخيا عندما استخدم لفظة غزوة مع انها مصطلح مقصور على الحرب التي تقام بين جيشين قائد احدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تحدث أي معركة بعد وفاته أطلق عليها هذا الاسم ، ثم جعل الذين أخذوا موقفه مع الدين ، وغيرهم خارجون من الملة ، لا أريد ان أخوض في الأمر أكثر من ذلك حتى لا أقع تحت طائلة القانون ، الإلهي أو البشري ، ولكني أتساءل أتظن أنك بماظننت واهما أنه اعتذار قد وحدت “قطبي الأمة!!” ، لقد انتهت منذ زمن بعيد حصانة بعض “المنابر ” ورغم اعتراضنا على التطاول على مقام العالم سواء في الدين أو الدنيا ، إلا انك لن تستطيع ان تمنع شبابا من عمر احفادك ان ينتجوا فيلم كرتون أو أغنية يتندرون فيها على ما تقول .
خلاصة القول أنه آن الأوان ان نجلس في خلوات ، نؤسس لدليل إجراءات حياتنا العامة والمهنية كما نفعل في مؤسساتنا التجارية التي نرتجي لها النجاح ، وإلى أولئك الذين أصبحوا “زبائن” لوسائل الإعلام ، مالهذا تقوم الثورات ، وما هكذا تبنى الأمم .
Posted with WordPress for BlackBerry.