امتحان مرشح الرئاسة “مقال قديم” كل الشكر لصديقي الأستاذ محمد فوزي عبد اللطيف الذي عثر عليه

امتحان مرشح الرئاسة

في خضم ما نشاهده من عبث سياسي ، واجتماعي ، وثقافي وربما أستطيع أن أقول عبث على كل محاور الحياة ، وفي خضم الخطب الرنانة من الزعامات السياسية والحزبية والفكرية وغيرها من الزعامات والتي يتسم حوارها دائما بالتأتأتة والتقطيع و كأنها لازمة يعلمونها لكل من يحدث الجماهير – أقول – في خضم كل هذا الهرج والمرج كان لابد من اقتراح جديد ربما يحرك مع الوقت ما ركد في مستنقع المجتمع .
عندما يتقدم الطفل للحصول على مقعد في مدرسة متطورة ، فإن إدارة المدرسة تجري له ولأهله امتحان تقييم ، وحتى ينتقل هذا الطالب من مرحلة في التعليم لأخرى ، فإنه يخضع لامتحانات للتقييم ، حتى إذا انتهى من دراسته وأراد العمل فإن صاحب العمل أو من ينوب عنه يجري له نوعا من التقييم ويظل مطالبا كلما تطلع للأعلى مطالبا بأن يثبت بأنه أهل لهذا الموقع أوغيره ، حتى إذا ماوصل لنقطة معينة توقف عندها التقييم من الأعلى ، وصار التقييم من الأدنى ، وفي هذه الحالة يصبح تقييما لاقيمة له.

فبغض النظر عن كل مانشاهده من محاسبات للمفسدين ومساءلتهم عن ما أجرموا فإن من لم يحاسب أكثر بكثير ممن تمت محاسبتهم ، وفي كثير من الأحيان يكون الحساب إما لأن الجرم أفدح من أن يسكت عنه ، أو أن الوقت حان لتقديم كبش فداء لامتصاص غضب الرأي العام الذي ذكر في كتب الأقدمين بلفظة “الرعاع” .
هكذا يتعامل الأعلى مع الأدنى مستخدما كل المقومات لتحصين موقفه ، ومن هنا كانت الحاجة لقلب الأدوار ، والبحث عن صيغة جديدة نتشارك فيها نحن أفراد المجتمع إعداد صيغة جديدة لحياتنا ، ونجري امتحان قبول لكل من يرغب في الجلوس فوق رؤوسنا ، سواء كان شيخ حارة أو شيخ غفر أو عمده أو وزيرا وصعودا حتى الرئيس ، فليس من المنطق أن نسلم قياد أنفسنا لشخص لايعلم عن ما يجول في خاطر كل منا ، أو نسلم قياد أمة لزعيم لايستطيع أن يفرق بين عادات كل طيف من أطيافها ، إن القيادة على قدر ماهي مسؤولية على قدر ماتحتاج لفن وعلم ودراية ، والأمة التي تقبل بزعيم أقل ما يقال عنه بحسن النية أنه لاحول له ولاقوة ، زعيم يقودها لتقضي يومها حتى يأتي ليلها ، ثم يصبح عليها الصبح بمثل ماأمست به فهو ليس بقائد ، وإنما القائد هو الذي يريح الركب في الليل ويحرسه ويرعاه ، حتى إذا أصبح الصبح كان قرار الانطلاق جاهزا بين يديه يعلم علم اليقين أن هذا الركب سيصل في نهاية اليوم لمكان أفضل مما كان فيه .
كيف نجري امتحانا لمرشح الرئاسة ، إنه أمر بسيط ويسير في عصر التكنولوجيات المتسارعة ، بدون لجان وبدون صياغات أو مقدمات ومؤخرات ، يقوم كل فرد من أفراد الأمة بطرح السؤال الذي يشغل باله ، وتجمع هذه الأسئلة في شكل امتحان يعقد لكل من يرغب في ترشيح نفسه لقيادة الأمة ، ويجيبون جميعا كما يجيب الطالب على أي سؤال وفي النهاية تعرض هذه الإجابات على أفراد الأمة لترى من أجاد ومن فشل ، ثم إذا ماختارت الأمة أحد هؤلاء المجيدين فإن إجاباته يجب أن يحاسب على تنفيذها طوال مدة قيادته .
من الطبيعي أن أجد مستهزءا بهذا القول أو معارضا يسأل كيف سيجيب شخص على هذا الكم من الملايين من الأسئلة ، أقول وبالله التوفيق – أن الذي رغب في القيادة لابد أن يكون عالي الهمة ، مستذكرا لكل دروس القيادة قبل أن يتصدى لها ، ثم إن الأسئلة لن تكون بالملايين كما يظن البعض ، فستجد بين كل ألف شخص تسعمائة شخص يسألون نفس السؤال ، وستجد منهم المئات ممن يبحثون عن إجابات مختلفة عما في بال كل واحد من الباقيين ، وعندها يكون التحدي الراقي للقائد المرتقب الذي يجب أن يمحص قبل أن يطرح على الناس لانتخابه .
عندها لن نقضي مايقارب العقد من الزمن نسأل نفس السؤال “هل التوريث جائز شرعا وقانونا” ، ولو علمت الأمة كم كلفها هذا السؤال من ملايين لحزنت على حالها بين الأمم ، هذا السؤال الذي لو حسبنا فقط قيمة الأحبار التي كتبت به ، لأنقذنا قرى بأكملها من وطأة الفقر بقيمة هذه الأحبار ، وأنا لاأحسب هنا كم من الجهد والعرق والأرواح وكم من الوقت أهدرت الأمة للإجابة عن سؤال لم ولن تتفق يوما على إجابة له.
سيريحنا امتحان مرشح الرئاسة من كثير من الأسئلة التي ليس لها إجابة ، والتي تأخذ الأمة في دوائر يعلم الله وحده أين تنتهي بها ، فيوم أن يحس مرشح الرئاسة بفداحة ماهو مقدم عليه ، من أسئلة وتساؤلات ، والله لن نجد من يقودنا إلا بطلوع الروح كما نقول في عاميتنا .
إن القيادة على قدر مافيها من بريق يغري العامة والخاصة على قدر مافيها من أهوال عرفها الأقدمون فزهدوا فيها ، ويكفي من أهوالها أن القائد لن يرضي جميع الأطراف بأي حال من الأحوال ، فمن راض عن بعض ماقدم ، إلى ساخط على بعض ماقصر فيه ، حتى تصل إلى درجة اللعن بالدعاء والخسران من بعض من ربما آذاهم نهج من مناهج القائد ، وما سيرة الخلفاء الراشدين من ببعيدة ، فمازال شطر كبير من الأمة – على اختلاف كثير من الأمة معهم – مازال هذا الشطر من الأمة يلعن منهم اثنين ويمجد واحد ويسكت بعضهم عن واحد لقربه من رسول الله .
أعتقد أن الذي يقود أمة قوامها عشرات الملايين يجب أن يمحص أضعاف أضعاف من قادوا أمة قوامها بضعة مئات من الآلاف .
أحمد الصاوي

أضف تعليق