فن إرهاق الآخرين

يأتي الإنسان إلى الحياة مشبعا بكل معاني الرحمة والمودة التي اكتسبها من بقائه في رحم أمه التي اشتق لها الرحمن من اسمه ، حتى أضحت صلتها وسيلة من وسائل القربات إلى الله سبحانه وتعالى ، وبقدر جهلي بتعاليم الديانات السماوية الأخرى بقدر ما أنا واثق من أن الرحمة أساس متين من أسس التعامل بين البشر حميعاً طبقاً لتعاليمهم السماوية أو غير السماوية .
إذا لماذا يعمد المرء دوما لإرهاق غيره ؟ ، وأقصد هنا الأفراد ‏والجماعات ، لقد بسط المولى سبحانه وتعالى هذه الأرض وأودع فيها كل أسرار الحياة لكل مادب ويدب وما سيدب عليها إلى قيام الساعة ، وقدر فيها أقواتها ، فحدد لكل رزقه من قبل أن يولد إلى أن تصعد روحه لبارئها الكريم .
وبقدر مايعي الإنسان هذه الحقيقة بقدر ما تجده دائما يسعى إما لاقتناص ما لدى الآخرين ، أو لردعهم عن الوصول لما هو مقدر لهم ، وحقيقة الأمر أنه بجهله ماعلم أنه لن يصل إلى مافي حوزة الغير ، وأن هذا الغير لن يصل إلا إلى ماقدر الله له أن يصل إليه .
كلام مكرر قيل على منابر الجمعة وعلى شاشات التلفازآلاف بل ملايين المرات ، ولكن قل من يستوعب الدرس .
إن فن إرهاق الآخرين أصبح سمة من سمات هذا العصر ، وأصبح علماً أسوداً تتناقله الأجيال دون هواده ، حتى صار هذا الفن أحد أسوأ الفنون التي يتجرعها الناس دون وعي ، ثم يلفظها بعد نفاذ حاجته منها ليتجرع نوعا آخر هو في الأساس خارج من غيرهم ، ثم يأخذ مخرجاته غيره وهكذا تظل سلسلة الإرهاقات ماثلة أمام الإنسان ، فما أن يبلغ المرؤ مرحلة الوعي في هذه الدنيا حتى يأخذ نصيبه من الجهد والإرهاق ، وكأنما أريد له أن يظل تحت ضغط قوى تدفعه وتجذبه في حركات إلتوائية وإرتدادية لايعرف متى تبدأ ولا متى تنتهي ، ولا كيف ومتى ينتقل من حركة لأخرى ، والغريب أن هذا الذي يتعرض لهذه الإرهاقات لاينظر إلى من يتسبب هو شخصيا في إرهاقهم ، ثم إذا أريد به خيرا ، وخف عن كاهله بعض الإرهاق ، فإذا به يبدأ بجهله في إرهاق نفسه بالبحث عمن يقوم هو شخصيا بإرهاقهم ، وهنا تتمثل بحق نظرية الطاقة ، فالطاقة لاتفنى ولاتخلق من العدم .
حقيقة لقد شعرت بالإرهاق لمجرد أن سردت ما تقدم فما بالكم بحياة يعيشها المرء مرهقا لينتهي إلى حفرة الله وحده يعلم كم يعاني فيها من إرهاق وسواد ، ولا إلى متى ، فالذين قضوا نحبهم منذ آلاف السنين مازالوا ينتظرون يوما لايمكن أن يقارن هوله بكل ما مر بهم خلال سني عمرهم ومايعانونه الآن في لحودهم .
سؤال .. أبعد كل هذا يظن المرء أنه بإرهاق الآخرين يكسب قيمة مضافة طبقاً لقواعد السوق والعرض والطلب ؟ الأمر لايستحق عناء التفكير ، لقد عاشت البشرية دهورا تبحث عن الطاقة ، فلما وجدتها بدأت تبحث عن أسلوب أمثل للتخلص من آثارها المدمرة ، ثم وهي تبحث في هذا وذاك أقنعت نفسها بأن منابع الطاقة إلى نضوب فأصبح همها ، كيف توفر في الطاقة ، فلما وجدت أن لافائدة ، كما أقنعها شيطانها ، بدأت تبحث عن بدائل للطاقة ، ثم تقاتلت على منابع الطاقة القديمة ، ومصادر الطاقة الجديدة ، وأهدرت من الطاقات مالا يحصى في السيطرة على الطاقة ، وهي بهذا تمارس أشد أنواع إرهاق الآخرين ، وما الذي يمكن أن تستفيده البشرية من هذا الكم من الإرهاقات .. لاشيء فكلا الطرفين خاسر لامحالة .
في خضم هذه المعطيات وهذا الكم من الإرهاق والعناء ، نجد نقاطا مضيئة تدفع على التعجب ، وتجعل المرء يقول ، هل مازال في هذه الدنيا أناس بهذا القدر من العطاء ، والمدهش أن هذا الذي من الله عليه بصفة المنح والعطاء تجده دائما مرتاح البال ، والأكثر من هذا وذاك فهو يجمع من حطام الدنيا ما يظنه الغير كنزاً أكثر مما يجمعه غيره بإرهاقه نفسه والآخرين ، إلا أن تقييمه لما يملك على أنه من حطام الدنيا الزائل يجعله دائما متربعا على منصة العطاء .
وغالبا ما تجد هذا الكريم ، عفيف الأصل عاش شظف العيش في بداياته ، فلما من الله عليه أحس بقيمة العطاء وسوء الشح فأدرج نفسه في قائمة المتربعين في قلوب الناس بخدمته لهم ، وهو دائما موفق في كل مناحي الحياة .

فكرتان بشأن “فن إرهاق الآخرين

  1. mfawzi1949

    الله يفتح عليك يا احمد ..موضوع هام وواقعي ..والمثل بيقول اجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش…عدم الاقتناع بهذا يدخل الانسان في دوامة لها اول وليس لها آخر..

    إعجاب

    رد

اترك رداً على usamakady إلغاء الرد